الثلاثاء، 19 يونيو 2012

الفيل والنملة

كنتُ منذ فترة في حوارٍ مع الكاتب "مصطفى فرحات" ، فَتَشَعَبَ الحديثُ معهُ تحتَ مظلة الثقافة  والأدب، حتى طَفقَ يُكلمني عن عَلَمٍ مِنْ أعلامِ الفِكْرِ والأدب " محمد البشير الإبراهيمي"، فقد أخبرني أنهُ ما بَلَغَ التسع سنين مِنْ عُمرهِ حتى كانَ قد حفظَ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه.
وكانَ قد حَفِظَ معهُ ألفية ابن مالك، ومعظم الكافية له، وألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، و الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأنه حفظَ  الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وحفظَ معظم رسائل بلغاء الأندلس مثل ابن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف ابن أبي عميرة، وابن الخطيب.
ثم أسهَبَ أنهُ حفظَ صدراً من شعر المتنبي، وصدراً من شعر الطائيين، وحفظَ ديوان الحماسة، وحفظَ كثيراً من رسائل سهل بن هارون، وبديع الزمان وحفظَ كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابيه للهمذاني، وكتاب الفصيح لـ: ثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت، حفظَ كل ماسلف ولم يبلغُ مِنْ العمر إحدى عشرة سنة!
 كنتُ استمعُ إلى الكاتب مصطفى وهو يُعددُ لي ما حفظ محمد البشير - لا ما قرأ - مِنْ كتبٍ ودواوين ووجهي كُلهُ متلون وقسماتي كُلها مُتَشَقْلِبَة، فرجل كَمحمد البشير مِنْ وفيات الستينيات، 1965 م تحديداً، وتعليمهُ الكثيف يُذَكرني بِعَهْدِ الأئمة والتابعين، و الأندلس الرغيد، فعندما سَمِعْتُ ما سَمِعُت احتقرتُ ذاتاً مجدتها  ، حتى ادركتُ الفرق الشاسع ،فقد كنتُ أفخرُ بنفسي لأني عندما كنتُ بالخامس الابتدائي قرأتُ كتب ديل كارنيغي وفي السادس قرأتُ كتب المنفلوطي. أما في المرحلة الاعدادية فقد بدئت سلسلة توفيق الحكيم والرافعي وبعض من كتب العقاد ولخصتُ الموسوعة العربية الميسرة بجزئيها وكتب ودواوين من هنا وهناك وأنا لم أبلغُ المرحلة الثانوية بعد، وكنتُ سعيدة جداً ومفتخرة بتاريخي وكأني الفتاة الغريبة العجيبة بين الأنام، حتى سمعتُ سيرة محمد البشير الإبراهيمي.
"إيهاب مدحت" أحد الأشخاص الذينَ تعرفتُ عليهم في مجموعة سلام- الدوحة، فَعَلِمْتُ منهُ  أنهُ بَدَءَ القراءة في كتب كارنيجي والفقي وغيرهم وهو في المرحلة الثانوية ، كانَ إيهاب فخوراً على حدِ قولهِ بتاريخهِ التليد حتى عَلِمَ عن تاريخي في القراءة، المُضحك إننا نحنُ معاً – وجميع من يندرجُ تحتَ المظلة نفسها – "عاملين ديك وسط فراخ " ، نُقارنُ أنفسنا بالفارغين ، الذين لا يقرؤون البتة ، فنكونُ نتيجة تلكَ المقارنة الجبابرة والعمالقة في الفكر والقلم ، وإذا أردتَ الواقع فالواقع ليس كذلك أبداً.
قرأتُ منذ فترة مِنْ الزمن مقالاً للشيخ علي الطنطاوي رحمهُ الله، فكانَ يتضمن سؤالاً عجيباً، إذ يقول إذا سألتكَ عن العصفور أصغير أم كبير؟ فإن قُلتَ صغير ، قُلتُ: أقصدُ نسبتهُ إلى النملة، . وإن قلتَ :كبير . قُلتُ : أقصدُ نسبتهُ إلى الفيل. فالعصفور كبير جداً معَ النملة وصغير جداً مع الفيل. المؤسف أن  الغالبية منا يرى تاريخهُ تاريخاً تليداً وعطاءاتهُ وقراءاتهُ عطاءات متميزة وهي اليسيرة المتواضعة. السؤال الآن عندما أطلقتَ الحُكمَ على نفسك، أكانَ نسبةً إلى الفيل أم إلى النملة!
علمتني والدتي حفظها الله ورزقني بِرَّها، أن أقارنُ نفسي في العلومِ والتقوى دوماً بمن هم أفضل مني  وأن أقارنُ نفسي في المال والجاه دوما بمن هم أقل مني شأناً  وأسوء مني حالاً.لقد سمعتُ سيرة محمد بشير وأدركتُ الفارقَ الجَلِيّ، هوَ: حفظَ كلَ ما سلف من أمهات الكتب ولم يبلغ الحادية عشرة سنة من عمره ، نحنُ: قرأنا شذرات من الكتب ونحن في عمرٍ متقدمة، هوَ: حفظَ القرآن كُله ومفرداته وغريبة ولم يبلغ التسع سنين. نحنُ: لم نحفظ القرآن بعد ، هو: بلغَ العناء مَبلغهُ لنهلِ العلوم الغزيرة ، نحنُ نتلقى العلوم البسيطة ونحنُ على الأرائك. هو : الفخرُ لأولادهِ وأحفاده . نحنُ : نبحثُ عن الفخر في أسماء العائلات البَرّاقة والقبائل الممتدة الأصيلة.هو : سَطَّرَهُ حاضرهُ وهو موجود وتاريخهُ وهو في عداد الموتى، نحنُ: لا سَطَرَنا الحاضرُ ولا الماضي.
لَعَلَ نماذج محمد البشير الإبراهيمي عديدة  على مر العصور، قارن نفسكَ بأيِهم أردت، لا يَهُم، الأهم أن تقارن نفسكَ في العلوم والتقوى بالفيل لا النملة، لتَتَقِدُ الهِمَمَ وتَغْلُوا العزائم وتَضَرِمُ الإرادة، فَتلكَ هيَ المُقارنة الحَقَّة.
اللهم اشغلنا بالعلم والإيمان .. اللهم آمين.



رحاب شريف

@rehabsharif

السبت، 9 يونيو 2012

"في يوم ميلادي.."

خاطرة أوجهها لجميع من أثر في حياتي
في يوم ميلادي ، أول ماقمتُ به بعد النهوض من نومي أن مسكت القلم لأسطر فيه هذه الكلمات، لشموع في حياتي لن تنطفئ :
أشكرُ "الله عز وجل" على كل نعمةٍ منحها لي منذ ولادتي وحتى هذا اليوم، جميع النعم صغيرها وكبيرها، ماعلمت منها ومالم أعلم.
أشكرُ "الله عز وجل" على كل دعاء استجابهُ لي، فقد وجدتُ في الدعاء حياة، رغم المعاصي والذنوب، لم يَرُد اللهُ لي دعوة حتى اليوم ، فلكَ الحمدُ يارباه حمدا لا منتهيا.. على نعمة الدعاء وعلى كرم الإستجابة.
أشكرُ جدتي " مريم بنت عبد الرحيم " أمي الاولى، فقد ربتني على أصول الحب المطلق، وأصول الطيب اللامنقطع ، والعطاء الذي لا ينتظر مردودا.. فلكِ الشكر الممدود مدا..
أشكرُ والدتي " ليلى بنت أحمد " ، على أن ربتني فأحسنت تربيتي ، وأن زرعت فيني التميز والطموح وحب العلم منذ نعومة أظفاري، ومنحتني حبها ونصحها ومالها ، فوق ماتستطيع، فكانت نعم الأم البارة لأبناءها، فأعني اللهم أن أكون لها بارة فتكون عني راضية.
أشكرُ والدي "عبد الغفور شريف" على تربيته واهتمامه، وحرصهِ التام أن يكون الاب المثالي ، الملتزم ، الحنون، فلك الشكر كُله، حتى ينقطعَ النَفَس.
أشكرُ" أحمد عبد الرحيم " خالي الحبيب، السند لجميع أفراد العائلة، في كل شي وفي كل حين ، هو الرجل الذي قيل فيه ، رجلٌ كألف، حفظهُ الله .. آمين.
أشكرُ الدكتور "علي بن عبدلله آل ابراهيم"، أول مسؤول لي في حياتي، فكانَ نعم المسوؤل ونعمَ الأستاذ ،كان الأب الروحي للجميع، علمني وجميع الموظفين أصول الادارة ، وجميل العطاء ، والإخلاص في العمل، فكانَ القدوة لنا ، باركَ الله له ولهُ مني الدعاء الجميل.
أشكرُ " نور الشامسي" صديقة عمري، على صداقةٍ مخلصة دامت اثني عشر سنة ، وسَيبقى نور هذه الصداقة -بعون الله - تحتَ شمس الدنيا وسماها ، وستخلد في منابرٍ من نور في اليوم الآخر.
أشكرُ أختي الوحيدة "حليمة شريف" لأنها البلسم الشافي ، حينَ أحتاج، ولأنها الحصن الأمين، والقلب الحنون .. هي أختٌ واحدة ولكنها تُغني عن الكونِ كله.
أشكرُ " أخواني : "عمر وأحمد وابراهيم وحمد" ، فهم الشموعُ النيرات بدرب الحياة، وهم السند الذي لا غِنى لي عنه، حفظكم الله.
أشكرُ " رافد المناعي" ثاني  مسؤول لي في حياتي ، فقد غمرني بنصحة واهتمامه، ومنحني الخبرات النيرات بطرق مباشرة وغير مباشرة، فكان نعم الاخ ونعم المسؤول ونعم الناصح الصدوق. ربي أحفظهُ لأهله وذويه .. اللهم امين.
أشكرُ "بشرى فقيهي" توأم فكري وروحي "، الصديقة التي لا تتكرر، الناصحة الامينة ، فلها الحب الكبير. أحبكِ يا بشرى.
أشكرُ أستاذي " فؤاد الجندي " أستاذ الادب، على جميله الكبير، فلكَ الشكر العظيم، فأنت الأستاذ الذي كاد ان يكون رسولا.
أشكرُ كل"  كاتب ومؤلف " قرأت له ، فأثرَ في حياتي، وارتقت نفسي بكلماته ، اللهم ارزقهم الفردوس كما صيروا حياتي فردوسا.
أشكرُ خالتي فائزة ورجاء، وأخص بالذكر "خالتي فائزة ": مستشارة الجميع بعقلها وحكمتها وحبها.. فلكِ الحب والفضل.
أشكرُ جميع عماتي الحبيبات الحنونات : بدرية ، أحلام، فوزية ونسيمة. وأخص بالذكر عمتي "بدرية" على تشجيعها الدائم وتواصلها المستمر.
أشكرُ زوجات أخوالي الحبيبات:
فاطمة "فطيم": فهي الصديقة والأخت القريبة للفؤاد.
"رقية":  فهي القلب الحنون والاهل لي في وطني الآخر..
آمال " أمونج": فهي تلك الدرة المكنونة والقلب الطاهر.

أشكرُ أساتذتي الأفاضل في حياتي الدراسية كلها : مدرستي شيخة بن هندي ، د.هشام العمال، د. حسن كمال، د. عمر بن عبد العزيز العاني،د.محمد عبد الله.
أشكرُالأختين الحبيبتين اللتين لم تلدهما أمي " ابتسام القايد و لينا العوضي"  على أن ساندوني في حياتي في قرطبة،. أحبكم في الله .. ولا حرمني الله منكما.
 أشكرُ ورود حياتي، صديقاتي الحبيبات، سناء البوعينين،ايناس المحمود،فاطمة الانصاري،وضحة الهيل،ريما بنت احمد بن شمس، منيرة السليطي، عهود علي، ريهام الحسيني، نجود بشير،ياسمين فولاذ،ايمان حساني،شيماء السلطان، ليلى عباس ، عبير الروحاني، نادية جناحي، فاطمة النعمة،كريمة العوضي، نجلاء البنعلي،مروة محمد يوسف،سهير المهندي،مريم الزيارة وشيندا وصديقاتي الصغيرات آمنة وسارة..
تطول قائمة الصديقات ، فمحلكم الفؤاد جميعا.

في يوم ميلادي.. أسأل الله أن أكبر وتكبر حسناتي، وتنعدم سيئاتي، وأن أكون من أهل العلم والإبداع، وأن اقترب لأهدافي يوما بعد يوم.. وأن أكون ممن نهضوا بالامة الاسلامية..
اللهم أني أحبك .. فلك الحمد أول الكتاب وآخرة...

انتهى
9.6.2012



الأربعاء، 6 يونيو 2012

لستُ عبداً


خالتي الحبيبة " شيماء" بعد تخرجها من الجامعة حصلت على وظيفة في إحدى الوزارات بالدولة وعملت جاهدة بكل أخلاص وتفان، كنت أراها تَعملُ حتى بعد أوقات العمل وفي أوقات الإجازة الرسمية وعطل نهاية الأسبوع، عَمِلَتْ في هذهِ الوزارة لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام ، وفي وقت كان من المفترض أن تحصل فيه على ترقية تم نقلها الى قسم لا تريده ولا يتمناه احد، فقررت وبعنف تقديم الاستقالة، رغم كل الالتزامات المادية التي " تزنطها" والقروض التي تلاحقها، إلا انها قررت ولم يُثنها عن القرار أحد. الجميع كان يرى ان قرارها قرار خاطىء وإنها لم تَأخذ بالحسبان أولويات الحياة. إلا أنَ القهرَ الذي بينَ جنبيها جعلها مُصرة بإقدام دون إحجامٍ أبداً.
بَدءتْ عملها الخاص - ولَعَلّ الحاجة هي أم الاختراع - في ما تُحب نَفسها وتَرغب، فقد كانت تُحِب " المكياج " حباً جماً ، وتتذوقهُ بفن راقٍ وتستمتع به أيّما استمتاع ، الخُلاصة إنها الآن من أشهر خبيرات التجميل بالخليج العربي، فقد حَولت راتبها الزهيد إلى مدخول يفوق دخلها الشهري بعشرين ضعف أو يزيد، وحولت القهر المكبوت الى إنجاز عظيم، فهي تعمل ما تحب وهي رب العمل والأجمل من كل ذلك إنها أثبتت نفسها في المحنة ولم تحتج الى أحد بل تَوكلت على الله وعملت على قَلْب القهر إلى عزيمة مُتَقِدَة، وهِمّة لا مُنْتَهِية، فارتَقَت بذلك.
قصة "شيماء" تُذكرني بقصة عَرفها الجميع، قصة والت دزني الذي أُقيل من عمله بالصحيفة دونَ سابق إنذار بتهمة أنهُ يفتقر للإبداع حتى خلدهُ الدهر بالإبداع كله، فَسبحان من يقلب الرزايا إلى مزايا والمِحَن إلى مِنَح عظيمة،رحبة ومُتَرامِية.
مُنذ فترةٍ طويلة قرأتُ كتاباً باللغة الإنجليزية إسمهُ " الأب الفقير والأب الغني" للكاتب روبرت كايوساكي الأمريكي المنحدر من أصل ياباني، المليونير بعد إفلاس وفقر ، كان كتابهُ طويلاً، ولكن العبارات التي أثرت فيني قليلة وقصيرة جداً، دعوني اكتبها لكم، العبارة الأولى تقول : إن العبد يبقى عبداً وإن كان ذو أجر كبير، الثانية: أن الموظف يعملُ جاهداً ليتسلق السلم الوظيفي حتى آخره، فَلِمَ لا تَمْتَلِك السُلم كله؟ ، العبارة الأخيرة: إن الموظف يعمل بكل قوته حتى لا يصرفه رب العمل بينما رب العمل يدفع أقل مايمكنه حتى لا يتركهُ الموظف. عبارات كانت مُوجعة ولكنهُ لا سيما الوَجع الجميل الذي سيدفعُ للتغيير حتماً.
الخميس المنصرم، احسستُ بقيمة كل عبارة من عبارات روبرت كايوساكي إذ حدثَ مايُشعرني بقيمة العمل الحر، بقيمة أن تكون رب العمل ، وصاحب المؤسسة ، وحر نفسك، وإن كنت يا صاح ذا أجر كبير فأنت عبد في نهاية المَطاف. إذ زَرعَ أجدادنا فينا دون وعي بأن الوظيفة الآمنة هي الحل لمفاجآت الزمان، إلا أن الواقع إنك يجب أن تتعلم مِنْ الوظيفة لتستقل يوماً ، الوظيفة لَيست الحل الدائم، قد تكون حل قصير الأجل لأزمة مزمنة طويلة الامد.
يُحَدثُني أَحد أقربائي مُمتَعِضاً بأنه يكرهُ أن يكون مُلتزماً بدوامٍ مُعَين، وهو صَاحِبُ إبداع وشخصية قوية ودقة متناهية، فَقُلت: شَخْصٌ مثلك لن يخسر إن بدءَ عملهُ الحر، وإن خَسرَ مَرة ومَرتين وثلاث فإن النجاح سَيكونُ حَليفهُ في نهاية المَطاف. لَعَلّ هذه الكلمات أوجهها لنفسي قبلَ أن أوجهها لغيري، ولعل الجميع يَحترق من هذه الحقيقة المُرّة،  ولَعَلّ قاطبة الناس كذلك تتمنى أن تتحَرَر مِنْ قيود الوظيفة، ولكن قلة قليلة التي تجد بين جنبيها الشجاعة لاتخاذ القرار، والأهم اتخاذهُ في الوقت الصحيح وبالطريقة المناسبة لمشروع مدروس والأهم مِنْ كُلِ ماسَلَف الثقة بالنجاح بعدَ التوكل على الله.

اللهم ارزقنا الهِمَة فإنا عَليكَ مُتَوَكِلُون.. اللهم آمين.




بقلم: رحاب شريف
@rehabsharif