الخميس، 27 سبتمبر 2012

خاطرة: الفراق

 
 
 
 
"أحبب من شئت فإنكَ مُفارقه"، سمعتُ هذهِ العبارة منذُ عشر سنوات، وشعرتُ برهبة قوية حين سمعتها، لعلي منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا سمعتها أو قُل قرأتها مئات المرات، وفي كل مرة أشعرُبالرهبة ذاتها، ولعل المقصود هنا الفراق بشتى نوعيه، الفراق الدنيوي والفراق الأخروي، فأما الفراق الدنيوي هو الفراق الذي ينجمُ عن فراق الحي للحي، اتفقا عليه أم أختلفا فافترقا، لا يهم,المهم أن الفراق قد حصل, وأما الفراق الأخروي فهو الفراق الذي يأتي عن مفارقة الحي لميت، فكان سبب الفراق انتقال الطرف الآخر للحياة الآخرة.
فأيُ الفراقين أصعبُ ياترى؟
أيكونُ الفراق الأول؟،  فالمُفَارَقُ هنا  حياً يُرزق، وهو ليس في سجل حاضرك ولا في سلسلة أيامك، ولا يمثلُ دوراً في مسرح حياتك! وهو الذي كان أقربُ إليكَ يوماً من القريب، لا تناديه باسمه، فاسمهُ الحبيب، يعرفُ أفراحك وأتراحك: مشهداً بمشهد، ويعرفُ تفاصيل يومك: لحظةً بلحظة ، وعندما لاحت علامات الفراق وأعلنَ القدر الافتراق، أصبحَ القريب غريب، فلا يعرف الوقائع الكبيرة في حياتك بعد أن كان يعرف دقائقها وتفاصيلها..فأيُ ألم؟وأيُ وجع وجزع! ويكون حينها ألم فراقه ميتاَ أخفُ وطأة من فراقهِ حياَ، فينشغل المفارِقُ بكل التفاصيل، في أي أرضٍ يعيش الآن وتحت أي سماء؟ ، ومن هي التي لهُ الآن القريب الحبيب؟ ماذا يدرس وماذا يأكل وماذا يقرأ؟ وأين يتنزه، أسعيد أم كئيب؟ أين يعمل ؟ومع من؟ وكومة الاسئلة التي لا تنتهي أبدا.. فالخصوصيات هنا أهم من العموميات.. وتفاصيل الامور أهم من  مجملها، ويتلوى الطرفان حسرةً وألم، وفضولاً لا يُشبعهُ الا العودة إلى حياةٍ انقضت..
 
أم يكون الفراق الثاني؟
فراقٌ يموتُ معه الأمل، والألم أنهُ في تلك اللحظات تتذكر كل  جميل، وتنسى كل ماعكر عليكما صفو العلاقة ، تتذكر أرق الكلمات وتنسى ألم الكدمات، فترى شريطَ حياتكما كالفيلم القصير، يمرُ في مخيلتك، ولكن المصيبة الجلل، أنهُ لا يمرُ سريعاً، يُرهقكَ بتفاصيله وتقتلك عذوبة الكأس، فتشرب منه القطرة ذاتها مئة مرة، وتتذكر الموقف عينهُ مرات ومرات، فيكون فراق الحي أهون، ففراق الأحياء يحدوهُ أملُ الرجوع، ويزينهُ الدعاء في ثلث الليل أن يارب أجمعنا مجددا، ويبقى الألم أخف مازل الامل موجود كضمادات تخفف جرح عميق، ولكن ماحليةُ الصّب الذي ماتَ حبيبهُ ، إذ كانت الدنيا خُلقت لتكون لهم جنة الله في الأرض، حتى صارت جهنم وبئس المصير.
الفراق، القدر الذي لا نرجوهُ للباطش الظالم، فكيف بالمحب الحاني، الفراق من أعظم مصائب الأرض، ومن أثقل أقدار السماء، الفراق : المصيبة التي إن نزلت في أي مرء، فقد قطعت عنهُ النفس وهدت له الجسد.
 
الفراق تلك المصيبة التي حركت أقلام الشعراء فنقشوا في الأدب ما لا ينقشهُ التلاق، وتلك الفجيعة التي ألهمت ريشة الفنانين ، الفراق ذلك النهر الذي كسر تلال الجمود عند الكثيرين فغير حياتهم.. الفراق هو الإجمال بعد تفصيل وهو ذاته التفصيل بعد إجمال، الفراق كلمة نعوذُ بالله ثلاثاً من وقوعها.
 
 
 
رحاب شريف
27 .09.2012 


الاثنين، 24 سبتمبر 2012

لِــمَ؟


كنتُ استمعُ لأحد البرامج التلفازية للدكتورة فوزية الدريع منذ فترة ، لفتَ انتباهي كلامها عن مشكلة لإحدى الفتيات، التي أحبت زميل عملٍ لها حباً عظيماً لا يَعلمهُ، وكان في المقابل يُحبها حباً عظيماً لا تَعلمهُ، صَرَحتْ بحبها لهُ لزميلةٍ مشتركة لهما، وقد صرحَ بحبهِ لها كذلك لتلكَ الزميلة. فحينَ تأكدت هي من مشاعره نحوها تجرأت وصرحت بحبها لهُ ، هاتفتهُ لتُخبرهُ أنها تُحبه، إذا كانت تتوقع منهُ أن يُصرح بمشاعره كذلك. ولكنهُ لم يفعل اكتفى بالصمت ثم أنهى المكالمة، وتَغيرَ في اهتمامه وكلامه، حتى سألتهُ تلكَ الزميلة المشتركة: " ألم تعد تحبها؟ " ، فأجاب :" حالما صرحت لي بمشاعرها تبدلتْ عندي المشاعر!"، لمَ؟!
حدثتني صديقتي عن إحدى الصديقات ، التي مرَّت بعلاقة حب مريرة، إذ أحبت شخص حباً جماً، والأفضل أن أقول "حباً مجنوناً"، كانت تُغدق عليه بالهدايا، وتدفع له " فواتير جوالاته "! وتفاجئهُ بباقات الورد على سيارته "الكحيانه" ، ولا داعي أن أصف لكم عن هدايا الفالنتاين و"سربرايز" أعياد ميلاده. كانت تحبه الحب الذي لأجله تفعل أي شيء، مع هذا كان يخونها مع أخريات وكانت تكتشف فتنهار ويعتذر ويَعدُها أن يتوب وتُسامح هي كالبلهاء ليُكرر هو الفعل المشين، وَعدها بالزواج ولم يفِ بوعده، وكانت متمسكة بكل خيط رفيع يجمعها به، ترفض كل خاطب مناسب وكل النصائح التي تتلقاها من أخواتها ومن صديقاتها تضربُ بها عرضَ الحائط، حتى أتى اليوم الذي ودعها لأنهُ سيتزوج بأخرى. لمَ؟
إحدى الزميلات بالعمل حدثتني عن صديقتها التي تحب زوجها حباً رحباً ، لدرجة أنها فاجئتهُ في ذكرى زواجهما الثالث بالسيارة التي يحلم بها "مرسيدس" ولوحة أرقام مختصرة، وفي المقابل هو يخونها حتى "فاحت ريحته"!" لمَ؟!
صديقة أمي في الثالثة والخمسين من عمرها ،زوجها يحبها حبا لا أستطيع وصفه ، يفاجئها بالهدايا بكل شكل، في كل المناسبات الجديرة والغير جديرة بالتهادي ، يشتري لها كل سيارة تتمناها - رغم دخله المحدود - ، يُراكم على نفسه القروض فقط ليرى منها ابتسامة رضا، يُعاملها كالأميرة، رغم أن زواجهما مرَّ عليه مايفوق العشر سنوات، وهي تعامله أسوء معامله دون أدنى اكتراث لكرامته حتى أمام الناس، وحين وَبختهُ أختهُ :إذا كيفَ تسمح لها أن تعاملك هذه المعاملة الغير لائقة ، يقول :" أحبها ولها الحق أن تفعل بي ما تشاء!!". لمَ؟
إحداهن تحب صديقتها حباً كبيراً، هي محور حياتها ، تفكر في رضاها ليلَ نهار، لا تهدأ ولا تسكن، إن تكلمت فعنها ، وإن تسوقت فلها ، وإن بكت فمنها ، وإن تأملت فصورتها، ليسَ على البسيطة شخص يهمها غيرها، بيدَ أن صديقتها المعشوقة لا تبالي لشأنها ، تحترمها وتحبها ولكن شتان شتان بين حجم الحب والاهتمام والعطاء عند الصديقتين. لمَ؟!

برنامج الدكتورة فوزية وتلكَ القصة المريبة، بغض النظر عن شرعية القصة والعادات والتقاليد ، لمَ حين شعر ذلك الزميل أن زميلتهُ اشترتهُ قامَ ببيعها؟
وتلكَ الحبيبة التي اغدقت على حبيب فؤادها بالهدايا في كل حين، وقدمت لهُ الحب المستحيل على أعتاب بيته، لمَ خانها؟ ولمَ تزوج بغيرها في نهاية المطاف؟ لمَ؟
وتلكَ الزوجة الغبية التي تعشق زوجاً خائناً، وتراكم ديوناً لأجل سيارة فاخرة تمناها، ولوحة أرقام مختصرة قيمتها قيمة سيارة أخرى ! وهو لم يُكلف تفسه أن يمنحها بديهيات العلاقة الزوجية في حفظ الكرامة وصون العِرْض والإخلاص لها، لمَ!؟
 لمَ تلكَ الزوجة الخمسينية تُبادل الحب والعطاء والمودة بالجفاء والإهانة وسوء المعاملة؟ لمَ؟ وتلكَ الصديقة التي لا تبالي بصديقتها التي بَسَطَتْ الدنيا لها ورداً وياسمينا؟ لمَ القانون بات مُعاكسا في زماننا؟ من نهواهُ يُجافينا؟ ومن نجافيه يعشقنا حتى النخاع؟ حتى بات قانون من "يُقدرني أُقدره" استثاء وحالة بها بعض من الشذوذ.

حينَ كنتُ في مرحلة المراهقة كنتُ ووالدتي نتحدث عن الحياة وقوانينها ، فقالت لي :" احرصي أن تُقدري كل من يُقدركِ، ومن أكرمكِ مرة فأكرميه مئة مرة".اليوم تستحضرني كلمات والدتي البسيطة ذات المعاني العميقة، حين أضحت المبادىء الجميلة نادرة في حياتنا، ولعل العيب ليس في زماننا لنؤكد قول الشاعر: "نعيبُ زماننا والعيبُ فينا.. ومابزماننا عيب سوانا".
أليسَ من العدل أن ترفع شأن كل شخص قدمَ لكَ العطاءات واجتهد لتقديم الخدمات وجادَ بما يملك من معنويات راقية وماديات فاخرة لنيل رضاك، فتبادلهُ العطاء بعطاءٍ أكبر، والتقدير بتقديرٍ أعظم. فذلك هو الإنسان الأصيل الكريم الذي قال فيه المتنبي :"إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتهُ".

اللهم ارزقنا خُلُقا جميلاً .. اللهم آمين.




بقلم: رحاب شريف
@rehabsharif


الاثنين، 17 سبتمبر 2012

الفصيلة النادرة



حينَ تُرهقنا الأزمات وتعصفُ بنا الخطوب ، ونستنفدُ رصيدنا الضخم في الصبر والمصابرة، فإننا حينها لا نبحثُ عمّنْ يحلُ لنا المُشكلات ويُرشدنا إلى الطريق الأمثل، فالغالب نحنُ أصحاب الأزمات أعلم الناس بحلولها المُثلى ونعرف تماما الطريق الصحيح.. فمالذي نبحث عنهُ إذا؟ دعوني أُخبركم..
نتفرسُ في وجوه الناس نبحث عن أذنٍ صاغية وصدرٍ منشرحٍ وعقلٍ مُتفهمٍ ورأي سديد وقولٍ حكيمٍ ولكن الأهم مما سبق جميعاً أننا نبحثُ عن شخصٍ كتومٍ ومُؤتمن.

وحينَ نبدءُ البحث ، فإنها عملية قد تطول، لأن الكتمان صفة غَدت في الندرة أصيلة ، نبحث عن إنسان يُحصّن السر بكل ما يملك. ، نحنُ نبحث عن ذلكَ الشخص الذي حينَ نخبرهُ بأن هذا الكلام سر عليه حفظه مابقي حياً ،لا يخون مهما تطلب الأمر، نحنُ نبحث عن إنسان حين نُؤمّنه على أسرارنا لا يذهب لأعز أصحابه ليخبرهُ بأسرارنا ويؤكد عليهِ أنهُ سر فاحفظهُ وهكذا دواليك، نحن نبحث عن الصاحب الذي ينتهي الكلام في جوفه، ويموتُ معه، ويُقبر معه حين يُقبر. يصون الأمانة قولاً وفعلاً مهما حدث.
نحنُ نبحث عن الانسان الذي وإن اختلفنا معهُ يوما وطال الخلاف، وتقطع البين، لا يَفضح ولا يَفجر، لايَغدر ولا يَخون ، بل يصُون ويُدافع حتى وإن انتهت العلاقة وتحولت تلكَ الصداقة الى عداوة مضطرمة.أتراني أغالي في الطلب؟ وأبحث عن المستحيل..؟

العاقل منا ذلك الذي يتوجه لله عزّ وجل فيسجد السجود الطويل، فيبكي ويحكي ويطنب بمايجول في خاطره، لا يُبقي ولا يذر، فتكون ركعتان طويلتان قد غسلتا قلبه، وطوتا صفحة همه.
من العقلاء من يمسك بورقة وقلم، فيخط اسراره السوداء على صحيفته البيضاء حتى تُظلم، وحينها يكون قد استفرغ من تلك الهموم الثقيلة. بورقة وقلم! أتراني ما أزال أبالغ وأصف المستحيل؟
تابعوا معي إذا أحداث هذه القصة.. فقد  حدثتني صديقتي ليلة البارحة تطلب مني أن أزورها في أسرع وقت، كان صوتها متعباً، وكأنها قد بكت حتى جفت المدامع، فهرعت لها مسرعة، حتى إذا ما وصلتُ، تعاظمَ عندها البكاء والنحيب، أسرعتُ في احتضانها، فإذا ما صارت بين يديّ ، تكلمت بحرقة وألم أعجز عن وصفهما، خلاصة المشكلة أنها كانت تأتمن صديقة دربها على أسرارها الحميمية ، وحين اختلفتا وطال الخلاف، قامت صاحبتها ببيع أسرارها بأرخص الأثمان،حتى أصبحت كالعارية أمام "إلي يسوى وإلي مايسوى".
تلاشت الكلمات عندما استمعت لتفاصيل القصة، ودمعت عيناي وشاركتها الحزن، حينها لاحت كلمات الأحنف بن قيس أمامَ ناظري:
إذا ضاقَ صدرُ المرءِ عن سرِ نفسهِ
فصدرُ الذي يستودعُ السرِ أضيقُ

 نحنُ البشر في بداية المطاف ونهايته  بحاجة إلى شخص يحتوينا، يُربّت على أكتافنا، يحتضننا حين نتألم، يستمع
إلينا ولكننا نُريد منهُ أيضا أن يكتم الأمر، فصديقٌ كتومٌ في هذا الزمان لا يُفرطُ فيهِ بمالِ الدُنيا وزينتها ، فليس في هذا الصنف تكرار.

جميعنا خطاؤون ، وخير الخطائين التوّابون، فإن راجعتَ شريطَ حياتك يوماً، وأدركتَ أنكَ  خُنتَ عهداً، أوما راعيت أمانة، أوأفشيتَ سراً، فاقتل سوادَ الماضي بنورِ الحاضر ، فالمرءُ من حيث يثبتُ لا من حيث يَنبتُ ومن حيث يُوجد لا من حيث يُولد. وتذكر الآيات الاولى من سورة المؤمنون واتخذها شعاراً : "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" وكن من تلكَ الفصيلة النادرة التي تُحافظ على العهد وتكتم السر مهما مات الحب وانقطعت العلاقة.

اللهم اجعلنا ممن هم لأماناتهم وعهدهم راعون.. اللهم آمين.



رحاب شريف
17 .09.2012

الأحد، 9 سبتمبر 2012

للرجال فقط


تُحدثني صديقتي المتزوجة فتُخبرني أنها وبينما هيَ في عملها صباحاً، شعرت بوعكة صحية قوية، فقررت الرجوع إلى المنزل، حينَ دخلت المنزل كانت تبحث عن زوجها والذي هو بطبيعة مهنته يعمل ليلاً، ذَهَبَتْ إلى غرفة النوم، ولكنها كانت موصدة، طرقت الباب لمدة ليست بقصيرة ، سمعت اثناءها صوت حديث خافت ، وصوت أبواب الخزانة ، واصلت في طرق الباب، حتى فتح، حين فتحَ الباب دخلت هي بقوتها إلى الغرفة تُفتش في أنحائها، ففتحت كل درج ، وهي تصرخ ماذا كنت تفعل؟ وهو يقول لا شيء، لا شيء. حتى فتحت الخزانة، ونثرت ما بها من الملابس، فإذا بها تجد من بين الملابس جوال غريب! ليس جوال زوجها المعهود! هجم زوجها على الجوال ليأخذهُ منها ولكنها امسكتهُ بكامل قوتها، أقسم عليها أنه إن لم تتركه سوف يُطلقها. صديقتي ذاتَ عقل راجح، تركت الجوال وقد علمت مابه قبل أن تفتحه، حفاظاً على علاقة تشمل طفلا صغيراً ..
يُقال قديما "أن حبل الكذب قصير"، في كل يوم أكتشفُ في حياتنا أن حبل الكذب أقصر مما توقعنا جميعاً، لقد عَلِمَتْ صديقتي أن زوجها على علاقة هاتفية بأحدى الفتيات، ويكلمها نهاراً وليلاً، نهاراً حينَ تكونُ في عملها، وليلاً حينَ يكونُ في عمله. حين كلمتهُ وهي تداري عبراتها لتسأله "لماذا ؟ ،هل قصرت !"  فأجاب: "لا كنتُ اتسلى فقط" ، واعتذر ووعدها أن يصونها، وهكذا فعل. ولكن الثقة بقت متزعزعة بينمها، لم يعد في جوفها حباً له، غير احترام للعلاقة، حينَ قلتُ لها "سامحيه فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له" ، قالت: لقد سامحته رغم أني لو كنتُ في مكانه ماكان أبدا ليُسامحني، ولكن لا سلطان على القلب، لقد مات من قلبي وأنتهى.
بالأمس كنت في حوار الكتروني سريع مع إبنة عمتي، فأخبرتني عن صديقتها التي ستُقدِم على الطلاق، وحين سألتها: لمَ؟ قالت اكتشفتُ خيانة زوجها، ومع من! مع إبنة عمها. تجمدَ الدمُ في عروقي، واحسست بقبح الخيانة وقلت : حسبي الله ونعم الوكيل في هؤلاء الذكور، فأمثالهم سأُلحن في قولي إن أطلقتُ عليهم لفظ الرجال.
صديقةُ عمري وهي في سنة أولى زواج، خانها زوجها مع زميلتةٍ لهُ في العمل، قد سبق لها الزواج وعندها أكثر من طفل ،طالت المكالمات واستمرت حتى تعلقت القلوب  فقرر زوجها طلاق صديقتي والتي كانت في بداية حملها، ليتزوج تلك! وهكذا حدث فعلاً، انتظرَ حتى أنجبت طفلة كالقمر، ليُطلقها، ويتزوج بتلك مباشرة. أود أن أنوه أن صديقتي التي طَلَقها هذا الذكر، غايةً في الجمال والخلق والدين، ناهيكم عن علمها وثقافتها ولكني أقول كما يقولُ أخواننا بمصر : " مالهوش في الطيب نصيب".
زميلتي في العمل، كانت تُحدثني عن إحدى صديقاتها الجميلات، فتقول: زوجها لئيم جداً، يخونها مع صديقتها، وهي لا تدري، يكلمها على مدار الساعة، وزوجتهُ الرائعة ليست سوى قطعة أثاث منزلية تَعوّدَ على وجودها، بينما زوجته الساذجة، تُغدق في تغنيج زوجها وتدليله وهو الخائن الصامت.
كم زواج انتهى بطلاق والسبب خيانة مؤلمة، كبُرت هذه الخيانة أم صغُرت، تبدلت أسماء الخيانة أم تلونت، فهي تلك الفعلة المشينة، التي تضعُ من صاحبها مهما كانت منزلتهُ العلمية والمهنية والإجتماعية، ولا ريب في ذلك، فهي نقيض الإخلاص، والإخلاصُ أساس الدين.
منذ زمن أدمنتُ نشيداً جميلاً جداً للمنشد الرائع "أسامة الصافي" عنوانها "رجال"، حين تكررت على مسامعي قصص كتلك تذكرتُ كلماتها التي تقول: " مازلتُ أبحثُ في وجوهِ الناس عن بعض الرجال،عن عصبة يقفون في الأزمات كالشُم الجبال، فإذا تكلمت الشفاهُ سمعتَ ميزانَ المقال، واذا تَحركت الرجال رأيتَ أفعالَ الرجال، يَسَعُون دوماً للعُلى بل نحو الكمال، ويحققون مفاخراً كانت خيالا في خيال، لا يَشتهون الدون أو أحوالَ أشباهِ الرجال، ويَرَوْنَ أنَ الحرَ عبدٌ إن توجهَ للضلال ، الى آخر الكلمات..  
أعزائي الذكور.. إن كنتم لا تَعرفُون ألف باء الإخلاص بعد، ولا تُدركُون أبجدية الوفاء، فلا تقربوا الزواج، فالزواج للرجال فقط ، فقد سئمنا القصص الأليمة والنهايات السقيمة ، قد أبدع شكسبيرحقا حين قال: " ليست الرجولة أن تُغري مائة امرأة ولكن الرجولة أن تغري امرأة واحدة مائة مرة".

اللهم زدنا تُقى وصلاح.. آمين.. آمين.


رحاب شريف
9.9.2012


الأحد، 2 سبتمبر 2012

ماذا إن لم يتحقق!

 
 
 يُؤرقهن أمر الزواج، فهو الحُلُم الذي لا يُغادر مخيلتهن،  وما عيبٌ أن حلمنَ به، فهذه نداءات الفطرة، لا مجالَ للتصدي لأصداء فُطرت المرأة عليها، فتحلمُ الفتاة برجلٍ صالح يحتويها، ويكونُ لها حصناً منيعاً وتكونُ لهُ سكناً حنوناً، وأن تكونَ الأم بعد كل ذلك، فتُربي جيلاً متميزاً.
إن كان ما سلف ليسَ عيباً فأينَ العيب إذا؟ دَعُوني أُحدثكم..
تُحدثني إحدى الفتيات وهي في السادسة والعشرين من عمرها ، إنها قلقة جداً من أن يفوتها القطار، وتُصبح "عانسا" على حد قولها، فأراها دائما صفراء الابتسامة، تُمارس حياتها دون حيوية، فتأكل دُون لذة وتشرب دون استساغة وتُقابلنا دون مرح! تجرأتُ يوما حين انفردنا مصادفةً لأسئلها: "لمَ أشعر دائما أنك تفعلين كل شي وأنتِ مُجبَرة.. فلا حماسة في الأمر ولا حيوية؟"
فأجابتني بما توقعت:" أرى كل صديقاتي قد تزوجن وأنا كما أنا ، أدعي لي الله أن يرزقني بالنصيب!" غضبتُ سرا من جوابها ولكنني لم أُفصح فأخبرتها مباشرة: "سأفعل ولكن هل عدم تحقق حلم الزواج يجعلك تعيشين حياتك كُلها دون تذوق، تستثقلين اليوم كله ، وتقومين بالممارسات اليومية مُكرهه؟"، لم استطع إنهاء الحوار معها لأن أحدى الفتيات انضمت لنا سريعا.. فَفُضَّ النقاش.
لم يهدء لي بال في تلكَ الليلة، هاتفتُها ولكني هذه المرة لم أكتم غيظاً ولم أُجَمِّل نصحاً، فأخبرتها بقول الدكتور جاسم المطوع : " أن الدرر المكنونة في قاع البحر لا ينقصها شيئاً إن لم تجد صياداً ماهراً حذقاً.. " قلتُ لها واصلي الدعاء وابقي الحُلُم فلا ضَيْرَ في ذلكَ ولا عيب، ولكن العيب كُله أن أكون تلكَ الجثة الهامدة التي بها بقايا رُوح بائسة، فأُعلق سعادتي بحلم الزواج، فلا أسعد ولا أهنأ حتى يتحقق.. ماذا إن لم يتحقق؟ هل أعيش العمر الجميل دون انجاز وانتاج ؟ دون سعادة ورونق وبهجة؟ ماذا لو تحقق وابتليت بزوج كئيب ، زادَ حياتكِ تعاسة وابتلاء؟ أتكونين كالصائم الذي صام دهراً يحلم بفطورٍ شهي جداً ليجد ما ينتظرهُ بصلة مُجَردة!، ركزي على الموجود يا "فلانة" لا على المفقود، على ماتملكين لا على مالا تملكين، واستمتعي حتى في شرب الماء الصافي، فهناكَ الملايين الذي يحلمون بالنعم التي تملكين. حتى اذا ما جاء الزوج المُنتظر أضفتِ الى سعادتكِ سعادة. اخلقي السعادة بنفسك ولا تربطيها بحدثٍ أو بشخصٍ أو بزمن.. قاطعتني : " غاليتِ في النصح، ولا أجدني قادرة على التطبيق، سأطلب منكِ طلباً أن ادعي الله أن يرزقني زوجاً".. اخبرتها ستكونين في دعواتي وأن تُكثف هي الدعاء كذلكَ لتنالَ ماتُريد ، وانتهت المحادثة.
كان ذلك الحوار في أحد الرمضانات المنصرمة، لم ينتهي الشهر الكريم حتى قالت لي : " أبشرج يا صديقتي، هناك من جاء ليطلب يدي، شاب طيب متعلم".. واخذت في وصفه.. سَعدتُ لها كثيراً،وباركتُ لها بفرحة عارمة، فقد تحقق ماتريده صديقتي.
تزوجت وانجبت، وابتعدت عنا جميعا بحكم الظروف ، هاتفتني منذ فترة ليست ببعيدة تبكي بكاءَ الأرامل، تشكي حزناً دفيناً، فهي لا تجد أدنى سعادة مع زوجها. وأنا أسمعها تبكي، صَعُبَ علي أن أُذكِرُها بكلامي ونُصحي، وأخذتُ مجراً آخر للتخفيف من آلامها.
فتاة أخرى، وقتها مشغول من الصباح إلى المساء، حياتها كلها أهداف سامية، تعمل ، تدرس، تقرأ ، تتطوع بلذة لا توصف ، مشاريعها النبيلة لا منتهية، أنهت الدراسات العليا، وبلغت من العمر 33 سنة ولم تتزوج، هيَ قريبة مني جداً، لم أسمعها يوم تبكي أو حتى تشكي أمر الزواج، فسألتها يوم ، ألا تخافين شبح العنوسة! فأجابت : " أنا مؤمنة أن الله سيكتب لي قدراً جميلاً، أيا كان، مع من كان، ومتى كان.. والأهم أني سعيدة، فهو "تعني الزوج" ليسَ الحياة التي انتظر، أنا اعيش حياتي بحذافيرها بمتعةٍ متناهية، فإن تزوجت أضافَ الزواج إلى حياتي الجميلة جمالاً، الزواج ليس الحياة، الزواج إضافة فقط إلى تلك الحياة. كانت تتكلم وأنا أرى دون مرآة أن عيني تبرقُ من السعادة ، هكذا النساء العاقلات المُنجزات وإلا فلا..
كانت يدي مُحَمَّلة ببعض الأشياء ، ما إن أنهت كلامها حتى وضعتُ كل ما بيدي جانباً وصفقتُ لها، فإن لم يستحق هذا الكلام التصفيق فمالذي يستحق إذا؟..  لن آخذكم في تفاصيل طويلة ولكن تزوجت هذه الصديقة من رجل أكاديمي، بعد قصة حب جميلة وقصيرة واليوم تعيش معه حياة وردية.
كنتُ اقرأ منذ فترة كتاب "نسيان كوم" للكاتبة المتألقة الجزائرية أحلام مستغانمي، فأضحكتني إحدى العنوانين التي تقول " أيتها الحمقاوات الحياة تنتظرك وانتي تنتظرينه !" ضحكتُ طويلاً وقد تذكرتُ جنون الفتيات من حولي. لعلي بكلامي هذا لا أُقلل من قيمة الزواج ولا أعيب الرغبة به، ولكنني أعيب فتيات يُعطِلنَ سعادتهن كلها حتى يتزوجن ! ويَقرن أمرَ السعادة والحياة الجميلة بحدث الزواج .. أعوذ بالله أن يزيد هذا المرض في الجنس اللطيف.
اللهم انا نسألك السعادة والرضا، ونسألك الفوز في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.
 
رحاب شريف
rehabsharif@