اشتَهَرَتْ قصةُ أَحد الفتيات في أيامِ
الدراسةِ الجامعية، فَقَدْ أَحَبَتْ أَحَدُ زملائها في الجامعة، وأَحَبَها حُباً
شديداً،وبَعْدَ أربع سنوات مِنْ الحُبِ والوَلَع ، اختارَ إبنةُ خالتهِ، لِتَكُون
زَوجته، واخبر حَبيبتهُ بِأنهُ مُفارِقُها قبلَ ارتباطهِ بيومٍ واحد، لِتَنْهارَ
الانْهِيارَ العَظِيم،وتَدْخُلُ مَرْحَلةَ اكتئابٍ شديدة،وحِينَما بَحَثَ بَعضُ
المُقَرَبِينَ عن سَبَبِ فِعْلَتِهِ أَجاب: كُنْتُ أُحبها حُباً عَظِيماً ومازلتُ
أَفْعَل، ولَكِني لَمْ أَكُن لأتَزَوَج فتاة كَلّمْتُها !
لَنْ أٌقرب المنظارَ الشَرعي لِعلاقةٍ كَتِلك،
ولَكِنهُ السُؤال الذي يَطْرحُ نفسه: إن كُنتَ لم تَكُن لِتَتَزَوجَ فَتاة كَلّمْتَها
وأحبَبْتَها قَبْلَ الزواج.. لِمَ دَخَلْتَ فِي عِلاقةٍ كَتِلك؟ ولِمَ عَلّقْتَ قَلْبَ
فَتاةٍ مُرهَفَة الحِس، رَقِيقَة المَشاعِر، وجَعَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ دماً يَسْرِي
في عُرُوقِها، وأَنتَ تَعْلمُ العِلمَ اليَقِين إنكَ لن تُقدمُ على زواجٍ وارتباط،
فأنْتَ هُنا لا غاية ولا وَسِيلَة.. فَأيُ رَذِيلة! وإن كُنتَ قد احْبَبْتَها فعلاً
كما تَقُول وماتَزال تُحِبُها، فإنَّ ذلكَ لن يُفلِتُكَ مِنْ العِقاب، فإنهُ كما تُدِينُ
تُدان ولو بَعْدَ حِينٍ يا صاح.
مُنْذُ فَترةٍ ليست بِبَعيدة كُنتُ وصديقاتي
نَتَكلمُ في مَواضيع شَتّى حتى رَسَت سُفُنُ الكلام في ميناءِ الحُب والعلاقات
والقَصَصَ ذَاتَ العِلاقة، فإذا بإحداهنَّ تَتَكَلمُ عن أَحدِ معارفِها، فاسْتَهَلّتْ
بِأنهُ دَخَلَ في علاقاتٍ كثيرة، وأحَبَّ الكَثير مِنْ الفتيات وأحَبُوه ، وخَاضَ
غِمارَ البَناتِ خَوضا، حتى أتى العُمْرُ الذي قَرّرَ فيهِ الزواج، ذَهَبَ لِوالدتهِ
لِيُخْبِرُها أنهُ يريدُ فتاةً دُونَ تَجارب سابقة ، ماضِيها كَصفحةٍ بَيضاء، أرادها
كما وَصَفَها " قطوة مغمضة" ، وهكذا والدتهُ فَعَلت ، بَحَثَتْ عَنْ فَتاةٍ
لا ماضٍ لها، وفعلاً وَجَدَتْ تِلْكَ الفتاة بَعْدَ جُهْدٍ جَهِيد وبَحْثٍ كَثٍيف
وتَمْحِيصٍ وتَدْقِيقْ وتَزَوّجَها وهو سعيد جداً بِحَظّه ، فَلَمْ يَمْضِي على زَوَاجِهُما
العام حتى عَلِمَ بَلّ عَلِمُوا جَمِيعاً أنها كَلّمَتْ " شباب الفريج "
أَجْمَع - كما ذَكَرَت صديقتي - ، صديقتي وهي تَنْقلُ لنا القِصة كانت مُبْتَهِجَة
وسَعِيدة ، وكَأنّها تَقُول إنَّ اللهَ يُمهل ولا يُهمل، فَقَد كَذَبَ على كثيرٍ مِنْ
الفتيات وتَسَلّى بِمَشاعِرِهن حَتى تَعَلَقَتْ القُلُوب وبَعْدَها، يَبْحثُ عَنْ
تِلْكَ " القَطْوَة" على حَدِ قَولهِ.. فَيا سُبْحانَ الله! هنا تَذَكَرْتُ
عبارة : "مَنْ لم يَتَزوجُ حَبِيبَته، تَزَوج حَبِيبةَ غَيْرِه".
عِبارَةٌ كَالتي سَلَفَتْ طَرَحْتُها لا لِاُشَجِع عِلاقاتٍ كَتِلك، ولَكن لكي لا
أُشجع الظُلْمَ الذي يَقَعُ في عِلاقاتٍ كَتِلك.
أَحدُ الزُملاء نَراهُ على علاقةٍ عاطفيةٍ
هاتفية مع إحدى الفتيات، يُكلِمُها فِي كُلِ دَقِيقَة يَكُونُ هُوَ فارِغ فيها
بحبٍ ووَلَه ، سَألتهُ إحدى الزميلات وكَأنّها تَجْهلُ العِلاقة: هل مِنْ المُمْكِنِ
أن تَتَزَوج فَتاة عَرَفْتَها قَبْلَ الزواج، أَجابَ جواباً قاطعاً دُون أدنى تَفكير:
لا، لم يُفكر زميلنا في جوابهِ لِثوانٍ بل قَطَعَ الَشكَ باليقين، تَألَمَتْ
صديقتي لحالِ تِلْكَ الفتاة التي يُكلمها - ولها مِنْ اللومِ والعِتابِ نَصِيب -،
قَد لم يَعِدُها بالزواج، لَيَكُونَ واضحاً بَيِنَاً مَعَها، ولِكن لِمَ تَتَهللُ
المشاعرُ وتَرْتَبِطُ القُلوب وتُدْمِنُ النُفُوس والحالُ منقطع والغاية تسلية ودَغْدَقَة
للمشاعر، ولكنها حَتْماً الدَغْدَقة الأليمة، لَيْسَتْ للفتاة وحَسب، ولكِنها
للاثنينِ معاً..
بِغض النَظر عَنْ اللوم الذي يَقَعُ على الفَتاةِ
التِي وَضَعَتْ نفسها في موضعٍ كَهذا، الأمرُ الذي حَيّرَنِي صَنْف جَدِيد مِنْ
الناس، فَقَدْ شَهِدْتُ صَنْفاً يُؤمنُ بأن الغاية لا تُبَرِرُ الوسيلة، وشَهِدْتُ
صَنفاً يُؤمنُ بِأن الغاية تُبَرِرُ الوسيلة، "بو الشباب" الذي يُكلمُ
الفتاة وهو يَعلمُ أنهُ لا يُرِيدُها زوجة، مِنْ صنْفٍ غَريبٍ عَجِيب، فَهوَ لا
غاية ولا وسيلة، فلا الغايةُ شَفَعَتْ لَهُ وَسِيلَتُه، ولا وسيلتهُ شَفَعَتْ لهُ
غايَتُه.. فأيُ مَكارِم؟ وأيُ أخلاق..
دَفَعَتْنِي أَعْزُ صَدِيقاتي" بُشرى
فقيهي" وهيَّ القَرّاءَة النَهِمَة، لِأن أقرأ كِتاب "عَصْرُ القُرُود"
للكاتب مُصطفى محمود - رحمهُ الله رحمةً واسعة – وكانت أجمل عبارةٍ قرأتُها في ذلكَ
الكتاب عبارة تَقُول " إذا أردْتَ زوجةً كخديجة، عليكَ أن تَكُونَ رَجُلاً كَمُحَمد".
وقد قَصَدَ الكاتبُ إن كُنتَ تريدُ الإنسانة ذاتَ الخُلُقُ والدين فَكُن ذُو خُلُق
ودين لِتَجِدَ مُبْتَغاك.
بَعضُ الغافلين مِنْ الناس يَظنُ أنهُ مَهما
تَمادى فَلن تَدُورَ الدائرةُ عليه، قد لا تَدُورُ الدائرةُ عليه، وقد يَجدُ الزَوجةَ
المَلاك وهو الذي صالَ وجَال، ولكِنَّ الدائرة قَدْ تَدُورُ على أَحدِ أخواته ،
بناته أوحتى حفيداته ليُوقن أنهُ لن يُفلتَ مِنْ مبدء كما تُدِينُ تُدان.
لَعَلّ كَلِماتي هذهِ لَيست وقفة مع المرأة
ضد الرجل ، فقد يَكُون النقيض، هي الإنسانة التي تَتَسلى وتَعْبثُ بِمشاعرِ الطَرف
الآخر وهو المُخلصُ الصادق، ما أردتُ إيصاله عَزِيزي القارئ إنهُ تماماً كما تُدينُ
تُدان ، ولو بَعْدَ حِينٍ وحِينٍ وحِين، فإياكَ والظُلم.
اللهم إنا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَظْلِمَ أو نُظْلَم
.. اللهم آمين .
بقلم:
رحاب شريف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق