حين أذهب مع صديقاتي إلى مجمع في عطلة نهاية الاسبوع للاستمتاع بمشاهدة فيلم سينمائي، اسمعهن يتذمرن طوال الطريق خوفاً من أن نتأخر عن موعد الفيلم، فالدنيا زحمة ولن نجد موقف للسيارة، أبتسم في داخلي دون أن أجيب على عباراتهم الساخطة،لأنني على يقين أنني حالما أصل الى البوابة المعنية سأرى سيارة قد خرجت للتو من موقفها لأدخل أنا محلها،وهكذا يحصل دائما!
عندما تخرجتُ من البكالوريس، أعددتُ سيرتي الذاتية وذهبت من صديقتي لتوزيع السيرة في الأماكن التي أتمنى العمل بها، سألتني ونحن في عملية توزيع السير الذاتية: " كم تتمنين أن يكون راتبك؟" فأجبتها: بضعف الراتب الذي يحصل عليه الخريج، فنظرت إلي نظرة المستغرب ثم قالت: "مستحيل!"، أنا أعمل منذ ثلاث سنين ولم يبلغ راتبي ما تطمحين له وأنتي خريجة جديدة العهد. وحين توظفت الوظيفة الأولى لم أندهش أبدا عندما علمتُ من مسؤول الموارد البشرية أن الراتب كان تماما كما تمنيت!
عندما كنتُ صغيرة كنتُ أرى إبنة خالتي "ندى" صديقة حميمة لأخيها "خالد"، فكنت أقدس علاقتهما الجميلة، علاقة الأخوة والصداقة الحميمة التي قلما تتواجد، فتمنيتُ حينها علاقة كتلك مع دعائي لهما بأن تستمر هذه العلاقة الجميلة وتقوى، ولكن ظروف عدة حالت دون تحقق أمنيتي ، منها فارق العمر، حتى مضى الزمن واشتدَّ عود أخي أحمد، وتبلور فكره وتكونت شخصيته، فأصبحنا أقرب قريبين، تفوق علاقتنا الصداقة و الأخوة!
تحدثني أمي عندما كنتُ في المرحلة الثانوية عن نفسها واثنتين من صديقاتها فتقول: كنت مع صديقتيّ "عائشة ومريم" في إحدى الجلسات "البناتية" نتكلم عن زوج المستقبل فتحدثت كل فتاة عن الزوج الذي تتمنى ، فقالت أمي : "أتمنى أن أتزوج رجلا وسيما ، أبيض اللون، ذو لحية سوداء" وقالت عائشة: "أتمنى رجلا ملتزما ، يطبق السنة النبوية" أما مريم فقالت: " أتمنى رجلا غنيا ". تضيف والدتي : لقد حصلت كل واحدة منا على ما تمنت ، فأما أنا فقد تزوجت والدكِ، وأما عائشة فقد تزوجت عمكِ، رجل ملتزم ويحافظ على تطبيق السنة، وأما مريم فقد تزوجت رجلا من أغنياء البلد..!
عمر بن عبد العزيز كان يردد: " إن لي نفسا تواقة ما حققت شيئا إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من إبنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الامارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها،والآن تاقت نفسي إلى الجنة، فأرجوا أن أكون من أهلها".
منذ زمن شاع صيت قانون كوني أسمه "قانون الجذب" الذي ينص على : "أن الانسان يجذب إليه الاشياء الايجابية أو السلبية". ولعل هذا القانون شرعي الجذور فقد حدثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء"، وقد قالها الإمام الماوردي في كتاب "أدب الدين والدنيا": " أن القدر موكل بالمنطق" وفي هذا أيظا قال رسولنا الكريم :" أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"، اليقين الشديد يُغير ترتيب الكون بأكمله من حولك فقط لتبلغ أنت مرادك، مهما صعب المنال.
اليقين في تحقق ماتريد، والعمل الدؤوب،والأخذ بالأسباب والدعاء المستمر، يُحقق المستحيل وكأنك صاحب العصا السحرية. تجاربي الجميلة في الحياة تجعلني أغيرُ في قول أبي الطيب المتنبي "ماكلُ ما يتمناهُ المرء يدركهُ .. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" إلى " بل كل ما يتمناهُ المرءُ يدركهُ .. باجتهادٍ ودعاءٍ وحقبة من الزمن".
رؤيتي في الحياة أرى تحققها كما أرى سطور مقالي هذا، رغم أن العديد يُعلق بأن ما أتمنى مستحيل، ولكني ابتسم في داخلي تماما كما ابتسم حين كان صحبي يسخط خوفا من أن لا نجد موقف للسيارة في الزحام - مع فارق التشبيه - لأني أعلم بيقينٍ راسخ وظنٍ جميل وعملٍ متواصل أن التحقق قادم مهما طال الزمان، وكأن الشاعر يقولُ على لساني :
وإني لأدعوا الله حتى كأنني .. أرى بجميل الظن مالله صانع
بقوانين ربانية كهذا القانون، يجدر بنا أن نسابق الريح في العمل ، وأن تكون لنا همم تنطح الجبال، ومقاصد عالية علو السحاب. فليس من مانع يحول دون تحقق أمنياتك إلا أنت : ظنك وعملك، فأحسن الأول واجتهد بالآخر.
اللهم وفقنا لخير المقاصد ..آمين
رحاب شريف
@rehabsharif
جعلت تلك الحروف الذهبيه في ميزان حسناتك
ردحذف