الأربعاء، 7 مارس 2012

مقال: مُفيد!

ارتبط مقهى كوستا في حياتي بالجد وعمل المفيد، فعندما كنتُ ادرس البكالوريس اضحيتُ أُلاكم المقررات الصعبة في هذا المقهى دراسةً وتلخيصاً ، خصوصاً في آخر سنة دراسية ، حيث المقررات أعداء لدودة: دسمة ،ثقيلة وصعبة.
واستمر الارتباط في دراساتي العليا ، وفي قراءاتي وكتاباتي وفي عمل كل ما هو مُفيد. حتى إذا ذكرت كلمة مفيد في الحياة تذكرت كوستا ، واذا تذكرت كوستا رأيت كلمة مفيد بخط عريض. أحيانا تكبر خيالاتي بطريقة سريالية حتى اُفكر أن إدارة كوستا من المفترض أن تضع لوحة على الباب إلى جانب أوقات العمل ، فيُكتب بها :"لا يحق لك أن تدخل هذا المكان إلا لعملِ المفيد". 
أتذكر صديقتي نور ومُحياها في كل خميس وهي تقولُ لي : " شنو البرنامج هالويكند؟" وهي تتمنى أن تسمع اجابات تروق لها، لاُجيبها بإجابة يتمعر منها وجهها غضباً : " ابغي اسوي شي مفيد". ولا داعي أن اكشف عن اجابتها بعد أن تسمع كلمة  "مفيد" و كيف تكون ردة فعلها .
لعلي كنتُ أكره كلمة مفيد كذلك منذ زمن بعيد،فكانت هذه الكلمة عدوتي التي امقتها، والتي كانت تفسد علي نومي اللذيذ كل صباح في العطلة الصيفية. فمكالمات أمي الصباحية من مقر عملها والتي تكون قبيل الساعة 8 والربع على الغالب ، تتصل حتى  "يفقع الجوال" وحينها اضطر اضطراراً ان أُجيب لأسمع منها : "قومي سوي شي مفيد " ، لأُجيبها وأنا في أشد الغضب بصوت النوم والكسل : "حرام عليج أنا في عطلة صيفية" . لتجيبني الإجابة التي لن أنساها ماحييت : "المتميز يجد اللذة في الفائدة ".
كانت تحثني ان احفظ كل يوم شيء من القرآن وعدد من أبيات الشعر ، وعدد من الكلمات الجديدة باللغة الانجليزية وقراءة جزء من كتاب وكتابة خاطرة. لاُجيبها باجابة طفولية : " بووووه كل هذا في يوم واحد ؟" لتُسمعني أجابة أروع مما سلف : "ليش انتي شوية؟ انتي قدها ". حينها اقولُ العبارة التي كنتُ من المفترض ان أقولها في بداية الحوار : " ان شاء الله ". لتنتهي المكالمة.
لا أنهض مباشرة من فراشي بل أبقى مُتقلبة وأنا أُنازع محتارة بين الكسل ولذيذ النومِ من جهة وبين كلمات أمي وعبارتها من جهة أخرى. مُخَبِئة وجهي في لحافٍ دافٍ وكأنها قد هَدَتني النجدين وعلي أن أختار ،لأنهض بعد حين لأتوجه إلى البرناج المفيد.
باتت كلمة مفيد اليوم من أجمل الكلمات إلى قلبي ، أجد فيها المتعة و اللذة وأجد نفسي وهذا هو المطلب الأكبر. نرجع لسالفة "كوستا" الذي اقضي فيه كل يوم ما لا يقل عن 3 ساعات فأقرأ واحفظ واكتب أنا وصديقاتي. وقد اُشتُهر عني ذلك بين زميلاتي في العمل حتى إذا مرت إحداهن في ذلك الطريق لقضاء حاجة ما لابد أن تمرَ في مقر العمل المفيد "كوستا" لتلقي التحية.
من الطرائف التي حصلت مؤخراً والتي دفعتني دفعاً لكتابة هذا المقال، إن احدى زميلاتي في العمل واحدى صاحباتها مررن بي فسلما سلاماً طالت مدته السبع دقائق. في صباح اليوم التالي بالعمل تقول لي زميلتي بأن صاحبتها عَلَقَت :         " مسكينة البنت ماعندها صديقات قاعدة تقرأ !". فأجابتها زميلتي :"بل لديها الكثير ولكنها تجد نفسها في ذلك".
ضحكتُ كثيراً حين قَصت علي صديقتي ما جرى ،ولكني تألمت للتبرير والتفسير والتأويل. فقلت في نفسي ونحن ندعوا الله كل يوم أن تعود الأُمة للسيادة والريادة وشبابنا يُمسكون الكتاب ليهديهم إلى النوم وقت الحاجة. والذي يقرأ منا مسكين لا صاحب له ولا صديق! يا سبحان الله!
ابنة عمتي الحبيبة لظروف قاهرة جداً لم تستطع أن تُنهي الثانوية العامة ، ولكن اسلوبها الرقراق يفوق حملة الدكتوراه ، دون أدنى مغالاة أو غلواء، ولا أعجب من ذلك أدنى العجب، فهي كثيرةُ القراءة وكثيرةُ الاطلاع ، وقديما قيل: "من شابه أباهُ فما ظلم" ، فهي ابنة الشيخ "محمد مال الله الخالدي" رحمهُ الله الذي ترك من الكتب الكنز الكثير في عمرٍ قصير وكان ممن ميراثهُ المحابر.
إن مما يُعزي النفس ويسرُ الخاطر أن هناك من شبابنا من يقرأ ،بل ويقرأ الكثير، بل واكثرُ من ذلك،  فهم يتصدقون بالجهود الجبارة لشن حملات توعوية منها على سبيل المثال لا الحصر: حملة "كلنا نقرأ" والتي كانت مبادرة من الأخ المتميز"أحمد الحربان" وثلة من الاخوان والاخوات، أسأل الله ان يبارك لهم في جهودهم، ومشروع "تنوين" للأخت "عائشة السلطان" وجماعة من الأخوات الأكفاء.وكلما زادت هذه المشاريع المفيدة كلما استشعرتُ اقتراب الأمة من الهدف وكلما قلتُ قول جهنم يوم الحشر : "هل من مزيد؟!" ، ولكنهُ حتما المزيد الايجابي.

اللهم  إنا نسألك الهمة لنهضة هذه الاُمة.آمين.


رحاب شريف
8 مارس
@rehabsharif

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق