الخميس، 27 سبتمبر 2012

خاطرة: الفراق

 
 
 
 
"أحبب من شئت فإنكَ مُفارقه"، سمعتُ هذهِ العبارة منذُ عشر سنوات، وشعرتُ برهبة قوية حين سمعتها، لعلي منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا سمعتها أو قُل قرأتها مئات المرات، وفي كل مرة أشعرُبالرهبة ذاتها، ولعل المقصود هنا الفراق بشتى نوعيه، الفراق الدنيوي والفراق الأخروي، فأما الفراق الدنيوي هو الفراق الذي ينجمُ عن فراق الحي للحي، اتفقا عليه أم أختلفا فافترقا، لا يهم,المهم أن الفراق قد حصل, وأما الفراق الأخروي فهو الفراق الذي يأتي عن مفارقة الحي لميت، فكان سبب الفراق انتقال الطرف الآخر للحياة الآخرة.
فأيُ الفراقين أصعبُ ياترى؟
أيكونُ الفراق الأول؟،  فالمُفَارَقُ هنا  حياً يُرزق، وهو ليس في سجل حاضرك ولا في سلسلة أيامك، ولا يمثلُ دوراً في مسرح حياتك! وهو الذي كان أقربُ إليكَ يوماً من القريب، لا تناديه باسمه، فاسمهُ الحبيب، يعرفُ أفراحك وأتراحك: مشهداً بمشهد، ويعرفُ تفاصيل يومك: لحظةً بلحظة ، وعندما لاحت علامات الفراق وأعلنَ القدر الافتراق، أصبحَ القريب غريب، فلا يعرف الوقائع الكبيرة في حياتك بعد أن كان يعرف دقائقها وتفاصيلها..فأيُ ألم؟وأيُ وجع وجزع! ويكون حينها ألم فراقه ميتاَ أخفُ وطأة من فراقهِ حياَ، فينشغل المفارِقُ بكل التفاصيل، في أي أرضٍ يعيش الآن وتحت أي سماء؟ ، ومن هي التي لهُ الآن القريب الحبيب؟ ماذا يدرس وماذا يأكل وماذا يقرأ؟ وأين يتنزه، أسعيد أم كئيب؟ أين يعمل ؟ومع من؟ وكومة الاسئلة التي لا تنتهي أبدا.. فالخصوصيات هنا أهم من العموميات.. وتفاصيل الامور أهم من  مجملها، ويتلوى الطرفان حسرةً وألم، وفضولاً لا يُشبعهُ الا العودة إلى حياةٍ انقضت..
 
أم يكون الفراق الثاني؟
فراقٌ يموتُ معه الأمل، والألم أنهُ في تلك اللحظات تتذكر كل  جميل، وتنسى كل ماعكر عليكما صفو العلاقة ، تتذكر أرق الكلمات وتنسى ألم الكدمات، فترى شريطَ حياتكما كالفيلم القصير، يمرُ في مخيلتك، ولكن المصيبة الجلل، أنهُ لا يمرُ سريعاً، يُرهقكَ بتفاصيله وتقتلك عذوبة الكأس، فتشرب منه القطرة ذاتها مئة مرة، وتتذكر الموقف عينهُ مرات ومرات، فيكون فراق الحي أهون، ففراق الأحياء يحدوهُ أملُ الرجوع، ويزينهُ الدعاء في ثلث الليل أن يارب أجمعنا مجددا، ويبقى الألم أخف مازل الامل موجود كضمادات تخفف جرح عميق، ولكن ماحليةُ الصّب الذي ماتَ حبيبهُ ، إذ كانت الدنيا خُلقت لتكون لهم جنة الله في الأرض، حتى صارت جهنم وبئس المصير.
الفراق، القدر الذي لا نرجوهُ للباطش الظالم، فكيف بالمحب الحاني، الفراق من أعظم مصائب الأرض، ومن أثقل أقدار السماء، الفراق : المصيبة التي إن نزلت في أي مرء، فقد قطعت عنهُ النفس وهدت له الجسد.
 
الفراق تلك المصيبة التي حركت أقلام الشعراء فنقشوا في الأدب ما لا ينقشهُ التلاق، وتلك الفجيعة التي ألهمت ريشة الفنانين ، الفراق ذلك النهر الذي كسر تلال الجمود عند الكثيرين فغير حياتهم.. الفراق هو الإجمال بعد تفصيل وهو ذاته التفصيل بعد إجمال، الفراق كلمة نعوذُ بالله ثلاثاً من وقوعها.
 
 
 
رحاب شريف
27 .09.2012 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق